غيمة حنين

رفيقي لا يجيد السير في البحر،

لذا يغرق في أحلامه على الدوام.

فكرت في صناعة غيمة له،

كي يقطع البحر محلقًا. 

تلاطمت أشرعتنا في النور ذات مساء، 

فتهاوت ليالينا كالزنابق في الخلاء. 

توقفت العجلة وسرنا حيث الوداع.  

هكذا تغرق غيمتنا على الدوام،

فننتشلها بالوعود والذكريات المحشوة 

برائحة الفلفل الزعتري وورق الريحان. 

أفتش عنا فلا أجد غير السراب،  

سرابٌ يخنق عنقي، 

يفتش في رحمي عن بقاء،

يعتقلني كاستجواب سوفيتي قديم حيث كان على المرء أن يموت ألنه تنفس.

سراب.. وكنت غيمة. 

عمر القصائد كلمة!  

الكلمة تساوي مشنقة، نتائجها تعادل فتيل قنبلة.

تتعدد القصائد،  

فتجيد الأبيات استمالتي إلى حين بزوغ القمر.

تسقط الحكايا،  

والأقنعة المتوارية من أحشائه.

تصرخ نجمة:

"من هنا علينا ترك المكان وإسدال الستار عن الظلمة

عن المحبوب الذي يظهر بعد غياب عام وألف قطيعة."

يسقط الرفقة.. ونعلق صورهم على مشانق اللحظات فنتبخر نحو اللامكان.

تتساقط الأوراق قبل قدوم فصلها 

وتبقى ملامحنا المتهالكة

وهمًا للخلود وزمنًا للمسرات.. 

لا يجيد رفيقي السير في النهر 

أراه يسير بجانب أحرفه المتقطعة، يطارد أفواه الجياع بالكلمات المهترئة

ويبصق مزيدًا من المنايا على وجوه الحالمين  

يدعي استمالة الرب ليخلقنا كما كان يتخيل  

يكرر بأن الحياة الأخرى هي خيارنا الأفضل، هي وجهتنا ومساعينا.. 

يرى في المنام أنه أعاد تفاحته ورفض أخذ التوت  

صرخ في وجه حواء بأنه ليس آدم، وأن ليس هناك من "حواء".  

رفيقي لا يجيد السير في الطريق،  

لذا يطارد ظله خلف الشجيرات المترامية على الحقل،

خلف الصبايا الجميلات وهن يزحن سنابلهن عن نحورهن الملساء. 

يطارد بقايا أصابعه وهي تتآكل، 

يفر من عبقه نحو رائحة نتنة هي خليط من ضحاياه وعرق الفارين من خلوده..

نحو مكان آخر،

يخاف انعكاس ظله عليه.